بيتكوين

البتكوين يشهد بصمت: يفرض على القضاة معيارًا جديدًا للحقيقة

تخيل أننا في عام 2075. القاضي لا تطلب سند ملكية ورقيًا، بل تطلب “معرف المعاملة” الرقمية.
محامي المالك يستعرض معاملة بيتكوين تعود لخمسة عشر عامًا، نقلت خلالها رمزًا رقميًا يمثل العقار.
محامي المستأجر يعترف بوجود المعاملة، لكنه يدعي أن التوقيع عليها تم تحت الإكراه.
الجميع في قاعة المحكمة يقبلون بما سجلته سلسلة الكتل، لكن لا أحد يتفق على معنى هذا السجل.

من شبكة نقدية إلى سجل ملكية عالمي

هذا المشهد يطرح سؤالًا يتحول من مجرد فكرة إلى مشكلة حقيقية في تصميم الأنظمة: متى تتوقف الشبكة النقدية عن كونها مجرد نقود، لتصبح السجل الأساسي الذي يحدد من يملك ماذا ومتى؟
حاليًا، لا تزال المحاكم تعتمد على الأدوات التقليدية.
فسند ملكية الأرض يمر عبر سجلات ودفاتر ومستندات وشهادات موثقة. وملكية الشركات تتبع وكلاء النقل وسجلات الشركة والجهات الرقابية. أما العقود فمحفوظة في الخزائن والمجلدات الإلكترونية ورسائل البريد.
هذه الأنظمة تعتمد على أشخاص ومؤسسات، وليس على خوارزميات الإجماع، وهي تعمل بشكل جيد… حتى تتوقف عن العمل.
فالحروب والكوارث وتغيير الأنظمة وفقدان البيانات والاحتيال، كلها تخلق فجوات. وفقًا للبنك الدولي، مليارات الأشخاص يفتقرون إلى إثبات رسمي لملكية الأراضي، مما يعرضهم للخطر عند النزاع.
كما أن الفساد في السجلات العامة لا يزال شائعًا في العديد من الدول، حسب منظمة الشفافية الدولية.

حل بيتكوين: سجل أدلة لا يعتمد على نزاهة المؤسسات

قدمت بيتكوين طريقة بديلة لحفظ تاريخ الأحداث، لا تعتمد على بقاء مكتب أو دولة واحدة نزيهة أو عاملة.
فكل عشر دقائق تقريبًا، يقوم المعدنون بتجميع كتلة من المعاملات والتنافس لحل لغز رياضي، ثم يتم بث الكتلة الفائزة إلى شبكة العقد.
كل كتلة ترتبط بالكتلة السابقة برابط تشفيري، مما يجعل أطول سلسلة من العمل الصالح سجلاً زمنيًا منظمًا يصعب جدًا التلاعب به.
النتيجة هي “سلسلة زمنية”: سجل عام ومُنسخ، لكل إدخال فيه موقع وطابع زمني وتكلفة اقتصادية للتغيير. وفقًا للورقة البيضاء الأصلية لبيتكوين، يتحول هذا السجل إلى دليل على “ما حدث ومتى” يمكن لأي عقدة التحقق منه.
داخل هذا السجل، يحدد نموذج “مخرجات المعاملة غير المنفقة” (UTXO) في بيتكوين من يمكنه تحريك أي عملة. فكل معلمة تستهلك مخرجات قديمة وتخلق مخرجات جديدة. الملكية، من منظور البروتوكول، تعني القدرة على تقديم توقيع رقمي صالح.
يمكن استخدام هذا الهيكل نفسه لتوثيق مطالبات أخرى. فالعملات “ملونة” والنقوش والطبقات الرمزية المختلفة تُضمّن إشارات إلى حقوق خارجية داخل معاملات بيتكوين.
يمكن أن تمثل وحدة “ساتوشي” الصغيرة سهمًا في شركة، أو بصمة وثيقة، أو إشارة إلى قطعة أرض مسجلة في قاعدة بيانات منفصلة. عندها تصبح السلسلة الزمنية فهرسًا دائمًا يوثق تحرك هذه العلامات بين المفاتيح الرقمية.

البتكوين يشهد بصمت: يفرض على القضاة معيارًا جديدًا للحقيقة

ما الذي تضمنه بيتكوين… وما لا تضمنه

بيتكوين تضمن أمورًا محددة فقط. فهي تظهر أنه عند ارتفاع كتلة معين، اجتازت مجموعة من التواقيع الرقمية التحقق تحت قواعد معروفة. وتظهر أن الشبكة قبلتها كمعاملة صحيحة.
لكنها لا تعرف من كان يحمل المحفظة المادية. ولا تعرف إذا ما كان الشخص وقع بحرية أم تحت الإكراه، أو إذا ما فقد مفتاحه الخاص.
وهذه الفجوة هي ما تهتم بها المحاكم. فالملكية القانونية تقوم على الهوية والأهلية والنية والموافقة. عندما تقبل المحكمة عقدًا إلكترونيًا أو سجل بنك، لا تعاملهما كدليل تلقائي على الملكية، بل كأدلة يمكن الطعن فيها بشهادات وسجلات أخرى. إدخال بيتكوين يناسب هذا النمط؛ فهو جزء من القصة، وليس القصة كاملة.

بيتكوين تدخل قاعات المحاكم

مع ذلك، بدأت بيتكوين تُستخدم بالفعل في النزاعات الرسمية.
ففي قضايا الولايات المتحدة المتعلقة بـ”طريق الحرير” وبرامج الفدية والسرقة، اعتمدت المحاكم على تحليل سلسلة الكتل لتتبع الأموال وإثبات حدوث مدفوعات معينة. وقبل القضاة أدلة من “مستكشفي الكتل” وشهادات الخبراء.
وفقًا لمكتبة الكونغرس، منحت محاكم وتشريعات في ولايات مثل فيرمونت وأريزونا السجلات على البلوك تشين (وليس بيتكوين فقط) صفة “قرينة الصحة” أو اعترافًا قانونيًا لأغراض معينة.
كما أن المحكمة العليا في الصين سمحت للمحاكم الإنترنتية بقبول إدخالات البلوك تشين كدليل.
هذه الخطوات، مجتمعة، تظهر نمطًا حيث تعامل المحاكم سلاسل الكتل كأساس واقعي موثوق للأحداث الرقمية، ثم تدمج هذا الأساس في الأطر القانونية التقليدية.

من دليل مؤقت إلى سجل افتراضي

السؤال هو: متى يتحول هذا التوثيق من دليل نادر إلى سجل افتراضي؟ هذا التحول لا يتعلق بالأيديولوجيا بقدر ما يتعلق بالراحة والتكلفة.
فالقاضي يلجأ للمصدر القياسي عندما يكون أسهل في الوصول وأصعب في الجدال منه.
بالنسبة للأصول المسجلة محليًا، سيظل مكتب الأراضي أو سجل الشركات هو المرجع لفترة طويلة. لكن الأمر يختلف بالنسبة للمطالبات عابرة الحدود، أو في الدول ذات الأنظمة الهشة.
تخيل محفظة عقارية تمتد عبر خمس دول، تختلف فيها جودة السجلات والمخاطر السياسية. يمكن لصندوق استثماري أن يحتفظ بسجله الداخلي، لكنه سيظل يواجه نزاعات حول أي نسخة من هذا السجل يجب أن تسود في المحكمة.
لكن إذا قام بتضمين بصمات شجرة الملكية الخاصة به في بيتكوين كل ربع سنة، فسيتمكن أي مساهم أو جهة رقابية من التحقق من وجود حق ملكية معين عند ارتفاع كتلة محدد. قد يجادل الخصم المستقبلي في تفسير هذه اللقطة، لكنه لا يستطيع إنكار وجودها من الأساس.
شيء مشابه يحدث بالفعل مع الوثائق. فمشاريع مثل “أوبن تايمستامبس” تسمح للمستخدمين بتضمين بصمات الوثائق في معاملة بيتكوين، لإثبات أن الوثيقة وجدت قبل كتلة معينة. استخدمت مجموعات حقوق الإنسان والصحفيون هذه الطرق لإنشاء سجل مرن عندما تُحذف أو تُصادر الأرشيفات التقليدية.

التحديات والطريق إلى الأمام

الانتقال من مجرد طابع زمني إلى سند ملكية كامل قفزة أكبر. فقانون الملكية يتضمن مطالبات متضاربة وإشهارًا عامًا وإنفاذًا مدعومًا من الدولة. حتى لو سُجل كل سند في بلد ما على بيتكوين، ستظل المحاكم بحاجة إلى قاعدة لحل التعارض بين السلسلة والسجل الورقي.
قد تعلن الهيئة التشريعية أن الرمز المسجل على السلسلة هو المسيطر قانونيًا، أو أنه مجرد دليل مساعد، أو أنه لا قيمة له. إلى أن تُكتب هذه القواعد بالتفصيل، ستظل سندات الملكية القائمة على بيتكوين في منطقة رمادية.
لكن في بعض البيئات، تكون هذه المنطقة الرمادية ميزة. ففي الدولة الفاشلة حيث احترق مكتب الأراضي، قد يفضل الأطراف أي سجل خارجي ستأخذه المحاكم الأجنبية على محمل الجد.
السجل يصبح الافتراضي، ليس لأن أحدًا أعلن ذلك، بل لأنه لا يوجد شيء آخر أكثر ديمومة أو قابلية للتحقق على نطاق واسع.
ينطبق هذا داخل الشركات أيضًا. فالكثير منها يخزن سجلاته الداخلية بطريقة لا تسمح إلا بالإضافة، بحيث يمكن للمدققين رؤية التغييرات. وتوثيق جذور هذه السجلات في بيتكوين يرفع سقف الأمان، ويجبر أي محتال محتمل على محاربة تاريخ السلسلة بأكملها إذا أراد إخفاء تعديلاته.

خلاصة: مستقبل السجل العالمي

سجل الأدلة العالمي هذا لن يخدم الجميع بالتساوي.
فالمدخرون طويلو الأجل وكاشفو الفساد والمعارضون السياسيون يستفيدون من سجل ينجو من تغيير الأنظمة. بينما تستفيد الحكومات الاستبدادية من أدوات جديدة لمراقبة التدفقات. أما المدافعون عن الخصوصية والمواطنون الراغبون في نسيان أخطاء الماضي، فسيواجهون سجلاً لا ينسى أبدًا.
ستواجه الأنظمة القانونية تحديًا أعمق مع اعتمادها على بنية تحتية لا تتحكم بها. فالقاضي يستطيع أن يأمر مسجل الأراضي بتصحيح خطأ، لكن لا محكمة في العالم تستطيع أن تأمر المعدنين والعقد بحذف كتلة.
الحلول المستقبلية ستعمل على الهامش: كأمر بنك بمعاملة عملة معينة على أنها “ملوثة”، أو منح تعويضات مالية بدلاً من محاولة محو الماضي.
ستختلف الدول في الوزن الذي تعطيه لـ “معرف المعاملة” نفسه. وقد تحتاج التشريعات إلى تحديد السلسلة “الرسمية” لأغراض الإثبات، بالإشارة إلى قوة التعدين أو عدد العقد.
سيتكيف المحامون بالاحتياط. فالأطراف التي تستخدم بيتكوين كمرساة يمكنها نسخ البصمات نفسها إلى سلاسل كتل أخرى، أو الاحتفاظ بنسخ ورقية موثقة، أو كتابة عقود تحدد أي سلسلة تسيطر في حالة الانقسام.
النقطة الفاصلة، حين تصبح بيتكوين بنية تحتية تعتمد عليها المحاكم من دون ضجيج، لن تأتي بقانون واحد أو قضية رائدة. بل ستأتي حين يجد القضاة والمسجلون والمستشارون القانونيون أن التحقق من السلسلة الزمنية أصبح روتينًا، وأن الطعن في هذا السجل أصبح أكثر تعقيدًا من التعايش معه.
في قاعة المحكمة الخيالية، تنتهي قضية الإخلاء برأي قضائي يستشهد بـ “معرف المعاملة” كدليل على تحرك حق رقمي عند ارتفاع كتلة معين. ثم تقضي الصفحات التالية في تحليل ما إذا كان هذا التحرك يعبر عن موافقة صحيحة بموجب القانون المحلي.
القاضي لا تحتاج إلى أن تعلن أن بيتكوين هي أرشيف العالم. بمجرد الاستشهاد بها من دون مراسم، تعامل المحكمة السلسلة كمجرد سجل مؤسسي آخر في عالم، حيث انتقلت العديد من السجلات من أيدي البشر، إلى دفتر حاسوبي يسجل بدقة: من ادعى ماذا، ومتى.

الأسئلة الشائعة

س: كيف يمكن لبيتكوين أن تكون سجلًا للملكية؟
ج: يمكن ربط أي أصل (كعقار أو سهم) برمز رقمي على سلسلة بيتكوين. حركة هذا الرمز تُسجل بشكل دائم وعام، مما يخلق سجلاً لا يمكن محوه يوثق من يملك ماذا في أي وقت.

س: هل سجل بيتكوين يعتبر دليلاً قاطعًا في المحكمة؟
ج: لا، ليس قاطعًا بمفرده. فهو يثبت حدوث معاملة رقمية في وقت محدد، لكن المحاكم تبحث أيضًا عن نية المالك وموافقته الحرة وهويات الأطراف. لذا، يعتبر سجل بيتكوين دليلاً قويًا يمكن دمجه مع أدلة أخرى.

س: ما هي أكبر فائدة لاستخدام بيتكوين كسجل؟
ج: أكبر فائدة هي الديمومة والحياد. السجل لا يعتمد على مؤسسة واحدة قد تفشل أو تتعرض للفساد. فهو موجود على آلاف الحواسيب حول العالم، ويصعب جدًا تدميره أو التلاعب به، مما يجعله مثاليًا لحفظ الحقوق في المناطق غير المستقرة أو عبر الحدود.

نجم العملات

خبير في التداول الإلكتروني، يقدم رؤى فريدة وتحليلات متجددة لأسواق العملات الرقمية المتغيرة.
زر الذهاب إلى الأعلى